responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 56
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجِهَادَ إِنَّمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ لَهُ الْمَالُ وَالنَّفْسُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَفْسٌ سَلِيمَةٌ صَالِحَةٌ لِلْجِهَادِ، وَلَا مَالٌ يَتَقَوَّى بِهِ عَلَى تَحْصِيلِ آلَاتِ الْجِهَادِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجِهَادُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْجِهَادَ يَجِبُ بِالنَّفْسِ إِذَا انْفَرَدَ وَقَوِيَ عَلَيْهِ، وَبِالْمَالِ إِذَا ضَعُفَ عَنِ الْجِهَادِ بِنَفْسِهِ، فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ مَنْ عَجَزَ أَنْ يُنِيبَ عَنْهُ نَفَرًا بِنَفَقَةٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيَكُونُ مُجَاهِدًا/ بِمَالِهِ لَمَّا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ، وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: الْجِهَادُ خَيْرٌ مِنَ الْقُعُودِ عَنْهُ، وَلَا خَيْرَ فِي الْقُعُودِ عَنْهُ.
قُلْنَا: الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّ لَفْظَ خَيْرٌ يُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: بِمَعْنَى هَذَا خَيْرٌ مِنْ ذَاكَ. وَالثَّانِي: بِمَعْنَى أَنَّهُ فِي نَفْسِهِ خَيْرٌ كَقَوْلِهِ: إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ [الْقَصَصِ: 24] وَقَوْلِهِ: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [الْعَادِيَاتِ: 8] وَيُقَالُ: الثَّرِيدُ خَيْرٌ مِنَ اللَّهِ، أَيْ هُوَ خَيْرٌ فِي نَفْسِهِ، وَقَدْ حَصَلَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَوْلُهُ: ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ الْمُرَادُ هَذَا الثَّانِي، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَسْقُطُ السُّؤَالُ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ كَوْنُهُ خَيْرًا مِنْ غَيْرِهِ، إِلَّا أَنَّ التَّقْدِيرَ: أَنَّ مَا يُسْتَفَادُ بِالْجِهَادِ مِنْ نَعِيمِ الْآخِرَةِ خَيْرٌ مِمَّا يَسْتَفِيدُهُ الْقَاعِدُ عَنْهُ مِنَ الرَّاحَةِ وَالدَّعَةِ وَالتَّنَعُّمِ بِهِمَا، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ لِأَنَّ مَا يَحْصُلُ مِنَ الْخَيْرَاتِ فِي الْآخِرَةِ عَلَى الْجِهَادِ لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِالتَّأَمُّلِ، وَلَا يَعْرِفُهُ إِلَّا الْمُؤْمِنُ الَّذِي عَرَفَ بِالدَّلِيلِ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْقِيَامَةِ حَقٌّ، وَأَنَّ الْقَوْلَ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ حق وصدق.

[سورة التوبة (9) : آية 42]
لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (42)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَالَغَ فِي تَرْغِيبِهِمْ فِي الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وكان قد ذكر قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ [التَّوْبَةِ: 38] عَادَ إِلَى تَقْرِيرِ كَوْنِهِمْ مُتَثَاقِلِينَ، وَبَيَّنَ أَنَّ أَقْوَامًا، مَعَ كُلِّ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْوَعِيدِ وَالْحَثِّ عَلَى الْجِهَادِ، تَخَلَّفُوا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْعَرَضُ مَا عَرَضَ لَكَ مِنْ مَنَافِعِ الدُّنْيَا، يُقَالُ: الدُّنْيَا عَرَضٌ حَاضِرٌ يَأْكُلُ مِنْهُ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ.
قَالَ الزَّجَّاجُ: فِيهِ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ: لَوْ كَانَ الْمَدْعُوُّ إِلَيْهِ سَفَرًا قَاصِدًا، فَحُذِفَ/ اسْمُ (كَانَ) لِدَلَالَةِ مَا تَقَدَّمَ عليه. وقوله: سَفَراً قاصِداً قَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ سَهْلًا قَرِيبًا. وَإِنَّمَا قِيلَ لِمِثْلِ هَذَا قَاصِدًا، لِأَنَّ الْمُتَوَسِّطَ، بَيْنَ الْإِفْرَاطِ، وَالتَّفْرِيطِ، يُقَالُ لَهُ: مُقْتَصِدٌ. قَالَ تَعَالَى: فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ [فَاطِرٍ: 32] وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْمُتَوَسِّطَ بَيْنَ الْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ يَقْصِدُهُ كُلُّ أَحَدٍ، فَسُمِّيَ قَاصِدًا، وَتَفْسِيرُ الْقَاصِدِ: ذُو قَصْدٍ، كَقَوْلِهِمْ لَابِنٌ وَتَامِرٌ وَرَابِحٌ. قَوْلُهُ: وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ قَالَ اللَّيْثُ: الشُّقَّةُ بُعْدُ مَسِيرِهِ إِلَى أَرْضٍ بَعِيدَةٍ يُقَالُ: شُقَّةٌ شَاقَّةٌ، وَالْمَعْنَى: بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشَّاقَّةُ الْبَعِيدَةُ، وَالسَّبَبُ فِي هَذَا الِاسْمِ أَنَّهُ شَقَّ عَلَى الْإِنْسَانِ سُلُوكُهَا. وَنَقَلَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» عَنْ عِيسَى بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ قَرَأَ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ
بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَالشِّينِ.

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 56
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست